مسئولية المدرس
تعلمون وفقكم الله وجعلكم هداة مهتدين أن المدرس قد تقلد أمانة عظمى وتحمل مسئولية كبرى سيسأل عنها أمام الله يوم القيامة تلكم أمانة العلم والعمل والتعليم والتربية والتوجيه لهؤلاء الطلبة، فإن الله سائل كل راع عما استرعاه حفظ أم ضيع، يجب علينا نحن المدرسين أن نكون قدوة صالحة للأبناء بأقوالنا وأفعالنا، يجب أن نكون مثلا أعلى في أخلاقنا في أعمالنا وفي مظهرنا، ويجب أن نتحلى بالفضائل والمحاسن وأن نتخلى عن المساوئ والرزائل يجب أن نتجنب كل ما يقدح في الدين أو يخل بالمروء فإن الله تعالى أباح لنا الطيبات النافعة وحرم علينا الخبائث الضارة لأجسامنا وصحتنا وعقولنا، يجب أن نحافظ على شعائر ديننا عمومًا وعلى الصلوات الخمس في أوقاتها خصوصا. لأنها عماد الدين الذي يقوم عليه وأن نصلح أنفسنا ونلزمها التقوى والاستقامة لنفوز برضاء الله وجنته ونسلم من عذابه وسخطه ولنقود أولادنا وطلابنا إلى الطريق السوي والعمل الصالح فنحن قدوتهم في القول والعمل والهدى والضلالة .
وقد قال بعض الخلفاء لمعلم ولده: ليكن أول تعليمك لأولادي إصلاحك لنفسك، وسواء في ذلك مدرس العلوم الشرعية أو العربي أو الاجتماعية أو الرياضية أو الأنجليزي أو أيا كان المسلم المسئول عن تربية الشباب ورعايتهم، فكل مسلم فهو رجل دين يجب أن يتخلق به ويدعو إليه حيث إنه مخلوق لهذا الدين وعنه يسأل وعليه يجازي وقد أكمله الله لعباده ورضيه منهم ولن يقبل من أحد دينًا سواه قال تعالى: وَمَنْ يَبْتَغِ غَيْرَ الإِسْلامِ دِينًا فَلَنْ يُقْبَلَ مِنْهُ وَهُوَ فِي الآخِرَةِ مِنَ الْخَاسِرِينَ [آل عمران: 85].
لذا يجب أن تسخر جميع الدروس لهذا الدين وأن يشعر الطلبة أنها وسيلة لهذا الدين لا غاية، فمتى كانت التربية حسنة جارية على السنن المستقيمة والآداب الشرعية والتعليم النافع حسب أوامر الدين وتعاليمه أمرا ونهيا أنتجت تلك التربية والتعليم رجالا صالحين وأمناء مخلصين لدينهم وأمتهم.
فإن تعليم الولد في صغره عبارة عن تغذية روحه بما تتهذب به أخلاقه وتزكو به أعماله وتحسن مقاصده، بحيث يكون ميله إلى كل خير ومحبته له، ونفرته عن كل شر وبغضه له ملكة ثابتة في نفسه.
فيا أيها الآباء والمعلمون خذوا بأيدي هؤلاء الشباب واهدوهم إلى محاسن الدين بغرس محبته في قلوبهم وتعظيمه في نفوسهم بشرح محاسنه وفضائله وما امتاز به على غيره( ).
إن تربية الأولاد وتعليمهم لأمر عظيم له شأنه الأكبر وخطره الجسيم في حياتنا الدينية والاجتماعية والخلقية فهم قوى المجتمع ودعائمه التي يقوم عليها وعليهم يتوقف رقي الأمة وسموها وتقدمها، أيها الإخوة الكرام: إن أهم شيء في المدارس تقويم دين الطلبة وأخلاقهم وحسن تربيتهم وتمكين الدين في نفوسهم وتنشئتهم على الفضيلة.
إن علينا واجب توجيه وتربية هؤلاء الشباب تربية إسلامية صحيحة حتى ننشئ جيلاً صالحًا ينفع نفسه وأمته وبلاده ويسعد في دينه ودنياه وآخرته، ولن يكون ذلك حتى نستقيم بأنفسنا ونقودهم إلى الخير بأفعالنا قبل أقوالنا وإلا فالقول وحده لا يجدي قال تعالى: يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لِمَ تَقُولُونَ مَا لا تَفْعَلُونَ * كَبُرَ مَقْتًا عِنْدَ اللهِ أَنْ تَقُولُوا مَا لا تَفْعَلُونَ [الصف: 2، 3].
وقال تعالى: أَتَأْمُرُونَ النَّاسَ بِالْبِرِّ وَتَنْسَوْنَ أَنْفُسَكُمْ وَأَنْتُمْ تَتْلُونَ الْكِتَابَ أَفَلا تَعْقِلُونَ [البقرة: 44].
وقد أوجب الله على كل مسلم أن يتعلم الهدى ودين الحق ثم يعمل به ويدعو إليه ويصبر على ذلك قال تعالى: وَالْعَصْرِ * إِنَّ الإِنْسَانَ لَفِي خُسْرٍ * إِلا الَّذِينَ آمَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحَاتِ وَتَوَاصَوْا بِالْحَقِّ وَتَوَاصَوْا بِالصَّبْرِ وفي فضل العلماء العاملين والدعاة المصلحين قال رسول الله «إن الله وملائكته وأهل السموات وأهل الأرض حتى النملة في جحرها وحتى الحوت ليصلون على معلمي الناس الخير» ( ).
أيها الاساتذة الكرام:
إن أبناء الأمة أمانة في أعناقكم ووديعة بين أيديكم فاتقوا الله فيهم ووجهوهم التوجيه السليم وربوهم التربية الصحيحة على ضوء الكتاب والسنة اللذين لن يضل من تمسك بهما ولن يشقى لَقَدْ كَانَ لَكُمْ فِي رَسُولِ اللهِ أُسْوَةٌ حَسَنَةٌ لِمَنْ كَانَ يَرْجُو اللهَ وَالْيَوْمَ الآخِرَ وَذَكَرَ اللهَ كَثِيرًا [الأحزاب: 22].
واعلموا أن الحياة محدودة والأنفاس معدودة وأن كل عامل سيلقى عمله، وكل زارع سيحصد ما زرع، فانتهزوا الفرصة قبل الفوات واحفظوا الله يحفظكم وتوبوا إليه واستغفروه إنه هو التواب الرحيم.