أهمية السؤال في عملية التدريس

أهمية السؤال في عملية التدريس:مـقـدمـة :
إن مهنة التعليم من المهن الصعبة، لأنها تتطلب إرادة قوية و رغبة طبيعية لممارستها، و إطلاعا واسعا لكثير من العلوم و التقنيات المساعدة، و رصيدا من التجارب و الخبرات و ممارسة مستمرة وواعية لما هو قائم، و لما هو آت من المعارف و المكتسبات.
و قد اعتمدت بلادنا منذ الاستقلال مناهج و طرق تعليمية مختلفة لتسهيل هذه المهنة، ففي البداية كان المحتوى هو ركيزة العملية التعليمية التعلمية، ثم تحول الاهتمام إلى ما يسمى المقاربة بالأهداف الإجرائية حيث أصبح العنصر الرئيسي الفعال لإنجاح المهمة التعليمية، أما الآن فقد عرف ميدان التعليم نقلة نوعية جعلت المتعلم هو محور العملية و أصبح دور المدرس لا يعدو أن يكون تلميذا نجيبا في القسم، و هذا ما أتاح الفرصة للمتعلم أن يكتسب المعارف و المهارات بطريقة ذاتية، و أن يستنفر معارفه القبلية و تجاربه السابقة و يعيد هيكلتها في سياق التعليم و الترشد الذاتي بطريقة حوارية تواصلية بينه و بين زملائه من جهة، و بينه و بين مدرسه من جهة أخرى.
و لا شك أن السؤال يعد في هذا المجال وسيلة اتصال و تواصل أساسية بين أطراف الوضعية التعليمية – التعلمية فماذا نعني بالسؤال في المجال التربوي ؟ و ما هي وظائفه؟ و ما هي شروطه ؟ وكيف ننجح في جعله آداة فعالة لإنجاح عملية التدريس؟




تعريـف السـؤال:
لغــة:
جاء في مقاييس اللغة : السين، و الهمزة و اللام كلمة واحدة، قال : سأل ، يسأل، سؤالا، و مسألة، ورجل سؤلة : كثير السؤال.
و في الصحاح في اللغة : السؤال : ما يسأله الإنسان، و قوله تعالى : "سأل سائل بعذاب الواقع" أي : عن عذاب.
و في لسان العرب : سأل، يسأل،سؤالا، و سآلة، و مسألة،و تسآلا، و سألة و في قوله تعالى : "وقفوهم إنهم مسؤولون" قال الزجاج : سؤالهم سؤال توبيخ و تقريع لإيجاب الحجة عليهم، لأن الله جل ثناؤه عالم بأقوالهم و أعمالهم، و قوله : " فيومئذ لا يسأل عن ذنبه إنس و لا جان" أي : لا يسأل ليعلم ذلك منه لأن الله قد علم أعمالهم، و السؤل : ما سألته، و في التنزيل : قال : " قد أوتيت سؤلك يا موسى" أي : أعطيت أمنيتك التي سألتها، قرئ بالهمز، و غير الهمز، و أسألته سولته، و مسألته أي : قضيت حاجته، و قال ابن جني في الخصائص : سألته الشيء : استعطيته إياه، قال تعالى : " و لا يسألكم أموالكم" ، و سألته عن الشيء بمعنى : استخبر ته، و في الحديث : "أعظم المسلمين جرما من سأل عن أمر لم يحرم، فحرم على الناس من أجل مسألته.
اصطلاحا :
قد أجمع العلماء أن الكلام قمة عليا في البلاغة و أن أسلوب الاستفهام أعلى مكانا في هذه القمة و على هذا الأساس فهو آداة إيجابية خلاقة للحصول على المعلومات و المعارف في مختلف أنشطة الحياة، و مختلف مجالات البحث و الدراسة.
و هو فعل قصدي، إرادي، هادف يشترك فيه أطراف العملية التعليمية التعلمية فيكون :
أ / مثيرا خارجيا موجها : من قبل المدرس تجاه المتعلم .
ب / استفسارا عما أشكل طلبا للمعرفة : من قبل المتعلم تجاه المدرس.
ج / مناقشة و محارة : إثراء الدرس، و توليدا لمعارف متنوعة من قبل المتعلم تجاه متعلم آخر.
وظائـف السـؤال :
يعتمد السؤال في المجال التربوي من قبل المدرس لتحقيق وظائف تعليمية عديدة منها :
1. التمهيد و الربط : يمكن السؤال التمهيدي من وضع المتعلم في الإطار العام للدرس، و ذلك بحصر تفكيره و توجيهه نحو الموضوع المراد معالجته.
مثال : اذكر بعض وسائل الاتصال و بين منافعها.
كما أن السؤال يربط بين عناصر الدرس الواحد أو الدروس المتسلسلة اعتمادا على ما سبق لبناء ما سيلحق.
مثال : ما هو الخبر ؟ انطلاقا لدراسة الجملة الواقعة خبرا.
2. التنشيط و التحفيز و الإثارة :
يحفز السؤال المتعلم، و يدفعه إلى التفكير و التفاعل مع الوضعية التعليمية، و يستثيره لامتلاك معانيها و دلالاتها.
مثال : اشرح الكلمات التالية الواردة في النص ثم اجعلها في جمل مفيدة.

3. الارتقاء بالمستوى العرفاني للمتعلـم :
يدفع السؤال المتعلم إلى بلوغ مراقي عرفانية متقدمة مثل : المقارنة، التمييز، النقد، بناء موقف...الخ.
و ذلك باستثمار مختلف الموارد، و استنفار المعارف القبلية لحل مشكل قائم مثال : في الصور الآتية حذف لبعض عناصر التشبيه، بين أثر ذلك الحذف في المعنى :
1/ المجاهد كالأسد في الشجاعة و الإقدام.
2/ المجاهد كالأسد.
3/ المجاهد أسد.
4) التشخيـص :
يمكن السؤال المدرس من تحديد أسباب النجاح أو الفشل لدى المتعلم، بهدف دعم الأولى ، وتلافي الثانية، و تشخيص صعوبات التعلم، مما يجود الممارسة التربوية و يترقي بها إما أثناء مرحلة تعلمية أو في نهايتها.
مثال : من خلال ما درسنا سابقا : حول الخبر من لفظ المفرد إلى جملة فيما يلي : رسول الله أمين.
5) التقييــم :
تمكن الأسئلة المطروحة في الاختبارات الشفهية و الكتابية من تقييم مكتسبات المتعلمين و ترتيبهم ترتيبا تفاضليا.
كما يمكن السؤال من تنويع طرق التنشيط و أساليبه و إثراء مشاركة التلاميذ و تنويعها وتشجيعهم على المساهمة في بناء الدرس و التفاعل مع مضامينه اكتسابا و نقدا و تقييما.
فالسؤال إذن يمكن أن يكون منطلقا للتعلم، و موجها لأنشطته و آداة لتقييمه و الحكم عليه.
مثال : الوضعية الإدماجية، بشرط توفر المقاييس الأربعة : السند، التعليمة، السياق، المعيار (كمي، زمني).
لذلك فالسؤال يحتل مكانة هامة في عملية التدريس و لا بد أن تتوفر فيه شروطا تيسر على المتعلم بلوغ الهدف من طرحه، و تساعد المدرس على جعل المتعلم محور العملية التربوية.

شروط السؤال في المجال التعليمي – التعلمي :
لا بد للسؤال من شروط لتحقيق الغاية، التعليمية – التعلمية إذ يجب أن يكون :
أ/ هادفا : أن يرتبط بهدف محدد يسعى المتعلم إلى تحقيقه (معرفيا، مهاريا، وجدانيا).
ب / مرتبطا بمرقى : أن يمكن المتعلم من بلوغ إحدى المراقي العرفانية المحددة في صنافة بلوم.

صنافة بلوم
المراقي الدنيا المراقي العليا
المعرفة : تتضمن الوصف و التذكر و التعريف ...
الفهم : التلخيص، الشرح، الاستنتاج، الأمثلة ...
التطبيق : الإنتاج، التغيير، الترتيب ... التحليل : التمييز، التوسع، الرسم، التجريب.
التركيب : التأليف، التنظيم، التوليد ....
التقييم : المقارنة، النقد، بناء موقف، إصدار حكم...


ج/ وظيفيا : أن يحقق وظيفة من الوظائف المذكورة سابقا (التحفيز، التشخيص، التقييم ...) أو أكثر من وظيفة.
د/ دالا : أن يكون ذو دلالة، و معنى بالنسبة للمتعلم (يرتبط بنشاط دال).
هـ / دقيقا : أن يصاغ صياغة سليمة، بسيطة، و سهلة غير قابل للتأويل، و لا يحتمل أكثر من إجابة سليمة دون أن يحي بالإجابة أو يتضمنها.
و / ملائما : أن يلائم المستوى الذهني للمتعلم و حقله اللغوي المفاهيمي أو المجال المشترك بين المدرس والمتعلم.
ز/ مؤثثا : أن يستند لمحمل أو وسيلة، أو وضعية خاصة إذا تعلق النشاط بالمراقي العرفانية العليا (التحليل، التركيب، التقييم).
و على مدرس اللغة أن يحرص على إدراك البعد اللغوي للمضامين المدرسة انطلاقا من الكفاءة النصية و من خلال ما يطرحه من أسئلة، و ما ينجزه من أنشطة تعلم، و ما يتوخاه من تماشيات بيداغوجية خلال مراحل التعلم، و أن يوجه المتعلم نحو فهم الموضوع أو الظاهرة أو النص، ثم تبني الموقف الراشد السليم القائم على : إعمال العقل، و التبصر في الحكم، و الاعتدال في الرأي، بعيدا عن المغالاة، و التعصب و الذاتية.
و عند إلقاء السؤال على المدرس أن يحرص على :
- التوجه به إلى جميع المتعلمين فلا يقصي أحدا.
- أن يخصص مهلة للتفكير تسمح للمتعلم بالتركيز قبل الإجابة.
- أن يتحرك داخل القسم أثناء إلقاء السؤال حتى يشد إنتباه المتعلمين، و يحثهم على المشاركة.
- أن يراعي التفاوت، و الفروقات بين المتعلمين في درجات الاستجابة و التحصيل والتقبل.














الخــاتمـــة :
لاشك أن الطريقة الحوارية قد أثبتت نجاعتها في مجال النظرية التعليمية التعلمية، لأنها قادرة على تعميق الفهم لدى المتعلم في الإعداد و التنفيذ، و المقارنة و المناقشة، و خير مثال على ذلك حديث عمر بن الحطاب رضي الله عنه أنه قال : " بينما نحن جلوس عند رسول الله صلى الله عليه و سلم إذ دخل علينا رجل شديد بياض الثياب، شديد سواد الشعر، لا يرى عليه أثر السفر، و لا يعرفه منا أحد، فجلس إلى النبي صلى الله عليه و سلم و أسند ركبتيه إلى ركبتيه، و وضع يديه على فخذيه، و قال : " يا محمد، أخبرني عن الإسلام، فقال صلى الله عليه و سلم : الإسلام أن تشهد أن لا إله إلا الله و أن محمد رسول الله، و تقيم الصلاة، و تؤتي الزكاة، و تصوم رمضان و تحج البيت إن استطعت إليه سبيلا، قال : صدقت، فعجبنا له يسأله، و يصدقه، قال : فأخبرني عن الإيمان، قال : أن تؤمن بالله و ملائكته، وكتبه، و رسله، و اليوم الآخر، و تؤمن بالقدر خيره و شره، قال : صدقت، قال : فأخبرني عن الساعة، قال : ما المسؤول عنها بأعلم من السائل، قال : فأخبرني عن أمارتها، قال : أن تلد الأمة ربتها، و أن ترى الحفاة العراة، العالة رعاء الشاء يتطاولون في البنيان ثم انطلق، فلبث مليا، ثم قال : يا عمر أتدري من السائل ؟ قلت : الله و رسوله أعلم، قال : فإنه جبريل أتاكم يعلمكم دينكم" رواه مسلم.
إن هذا الحوار الذي دار بين جبريل عليه السلام، و الرسوم صلى الله عليه و سلم لم يكن لإبراز معلومات جديدة أمام الصحابة رضوان الله عليهم، بقدر ما كان مناقشة حية مباشرة للمقارنة بين المفاهيم المكتسبة لديهم للفصل بين : "الإسلام، الإيمان، الإحسان".
ترسيخا لها، و تمييزا بين بعضها بعض، و منه تتجلى فائدة السؤال في المجال التعليمي لذا نرجو من كافة الزملاء الأساتذة إلى إيلائه أهمية بالغة تحصيلا و تقويما. والله من وراء القصد وهو يهدي إلى سواء السبيل.